Skip to content

محاضرة إعجاز القرآن عند المتقدمين - أحمد السيد

الحالة:: مصدر/معالج
النوع:: مصدر/صوت
اﻷولوية:: 2
الغرض:: الدين
المنشيء:: أحمد السيد
المدة:: 02:23:21
الرابط:: https://www.youtube.com/watch?v=wXBdnw1FxVM
المعرفة:: الحديث,
التدريب:: دورة البناء المنهجي,
المؤثر:: الشيخ أحمد بن يوسف السيد,
تاريخ اﻹكمال:: 2022-12-13

محاضرة إعجاز القرآن عند المتقدمين – أحمد السيد


  • إعجاز القرآن عند المتقدمين باب عجيب وغريب لا يدركه إلا من كان عارفاً باللغة العربية، وكلما ازدادت معرفة الإنسان باللغة العربية وازداد تذوقه لها، كلما استمتع واستلذ وشعر بعظمة هذا الباب.

  • من أكبر الفوائد التي تحصل من هذا العلم ازدياد مكانة اللغة العربية في الناس.

1. لماذا الحديث عن إعجاز القرآن؟

لماذا الحديث عن إعجاز القرآن؟

  1. لأننا في زمن فيه موجات تشكيكية كبيرة جداً ونحن بحاجة إلى ما يثبت الإيمان، وبحاجة إلى بث ما يثبت الإيمان في الناس، وهذا الباب هو من أهم وأفضل وأجود ما يبث به الإيمان.

  2. لأجل إدراك عظمة القرآن والإقبال عليه.

  3. لأجل القدرة على الدعوة إلى الإسلام بالحجة والبرهان.

  • قال الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن: “الذي يوجب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن، أن رِسَالَةَ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بُنِيَتْ عَلَى مُعْجِزَةِ الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُيِّدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُعْجِزَاتٍ كَثِيرَةٍ إِلَّا أَنَّ تِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ قَامَتْ فِي أَوْقَاتٍ وَأَحْوَالٍ وَمَعَ نَاسٍ خَاصَّةٍ وَنُقِلَ بَعْضُهَا مُتَوَاتِرًا وَبَعْضُهَا نُقِلَ نَقْلًا خَاصًّا، فَأَمَّا دلالة الْقُرْآنُ فَهُى مُعْجِزَةٌ عَامَّةٌ عمت الثقلين، وبقيت بقاء العصرين، وَلُزُومُ الْحُجَّةِ بِهِ بَاقٍ مِنْ أَوَّلِ وُرُودِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ وَجْهُ إِعْجَازِهِ مِنْ عَجْزِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ فَيُغْنِي ذَلِكَ عَنْ نَظَرٍ مُجَدَّدٍ، فَكَذَلِكَ عَجَزَ أَهْلُ كُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ التَّالِيَةِ عَنِ النَّظَرِ فِي حَالِ عَجْزِ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ”.

لماذا عند المتقدمين؟

  1. لأن المتقدمين أظهروا وجه المعجزة القرآنية بطريقة تامة مذهلة، ولأنهم اعتنوا بحقيقة المعجزة القرآنية التي كان بها القرآن معجزاً.

  2. لأن كثيراً من المتأخرين لا يعرفون من معنى الاعجاز إلا ما يعرف بالاعجاز العلمي.

  3. إدراك علم من علوم التراث الإسلامي العظيمة والتي قل الاهتمام بها.

  4. علم الاعجاز القرآني عند المتقدمين له تأثير في عدد من العلوم، فعلم البلاغة كما هو في كتب البلاغة إنما نشأ من أو بسبب العناية بقضية العجاز القرآن.

  5. كلام المتقدمين يحيي روح الإهتمام بالعربية، ويدرك القارئون في باب عجاز القرآن عند المتقدمين أهمية هذه اللغة، ولا تدرك أهمية اللغة في باب الإعجاز القرآني بدون العناية بكلام المتقدمين في هذا الباب.

2. أهمية اللغة العربية والبلاغة لفهم قضية إعجاز القرآن عند المتقدمين

  • الإمام عبد القاهر الجرجاني يرى أن من يقلل من قيمة الشعر العربي ويصد الناس عن تعلمه فهو كمن يصد الناس عن تعلم القرآن وتلاوته، فيقول في دلائل الإعجاز:

“إذا كنَّا نَعلم أنَّ الجهةَ التي منها قامَتِ الحجةُ بالقُرآنِ وظهرتْ، وبانَتْ وبَهرت، هيَ أنْ كانَ على حَدٍّ منَ الفَصاحةِ تقصرُ عنه قُوى البشرِ، ومُنْتهياً إِلى غايةٍ لا يُطمَح إِليها بالفِكر، وكان مُحالاً أن يَعرف كونَه كذلك، إِلا مَنْ عَرفَ الشعرَ الذي هو ديوانُ العَرب، وعنوانُ الأدب، والذي لا يُشك أنه كانَ ميدانَ القومِ إِذا تجارَوْا في الفَصاحة والبيان، وتنازَعوا فيهما قَصَبَ الرَّهان، ثم بَحث عنِ العِلل التي بها كانَ التباينُ في الفَضْل، وزادَ بعضُ الشعر على بعضٍ كان الصادُّ عن ذلك صادَّاً عن أَن تُعرَف حجةُ الله تعالى، وكان مَثلُه مَثلَ مَن يتصدَّى للنّاسِ فيمنعُهم عَن أنْ يحفظوا كتابَ الله تعالى ويقوموا به ويتلوه ويقرِئُوه، ويصنعُ في الجملةِ صَنيعاً يؤدِّي إِلى أَنْ يَقلَّ حفَّاظُه والقائمونَ به والمُقرئون له. ذاك لأنَّا لم نتعبَّدْ بتلاوتِه وحِفْظه، والقيامِ بأَداء لفظهِ على النَّحو الذي أُنزل عليه، وحراستِه من أن يُغَيَّر ويُبدَّل، إلاَّ لتكونَ الحِجةُ بهِ قائمةً على وجهِ الدَّهر، تُعرَف في كل زمانٍ، ويتوصَّلُ إِليها في كلَّ أَوان، ويكونُ سبيلُها سبيلَ سائرِ العلوم التي يَرويها الخلَفُ عن السَّلف، ويأَثُرُها الثاني عن الأول، فمَنْ حال بيننا وبين ما له كانَ حفْظُنا إيْاهُ، واجتهادُنا في أن نؤدِّيَه ونَرعاه، كَان كَمن رامَ أن يُنْسيناه جُملةً ويُذْهبه من قلوبنا دَفعةً، فسواءٌ مَنْ منَعكَ الشيءَ الذي تنتزع منه الشاهدُ والدَّليلُ، ومَنْ منعَكَ السبيلَ إِلى انتزاعِ تلك الدَّلالةِ، والاطَّلاعِ على تلك الشَّهادةِ، ولا فرقَ بينَ مَن أعدمَك الدواءَ الذي تَسْتَشفي به من دائَك، وتَسْتبقي به حشاشةَ نَفْسك، وبينَ مَن أعدمَكَ العلْمَ بأنَّ فيه شفاءً، وأن لك فيه استبقاء.”

  • الشعر العربي الأصيل يزيد في قدرة العقل على تذوق الكلام وعلى إدراك الفصاحة والبلاغة وكلما ازداد هذا الرصيد، ازدادت المعرفة على إدراك المعجزة القرآنية على وجهه حقيقتها.

  • علم البلاغة هو ألصق علم عربي بعلوم إعجاز القرآن وتحديدا علم المعاني.

  • هناك تعريفات مختصرة لعلم المعاني والتعريف المشهور هو: علم يعرف به أحوال اللفظ العربي التي يطابق بها مقتضى الحال.

3. معنى الإعجاز والمعجزة وعلاقة المصطلح بالمعنى الشرعي

  • الأصل اللغوي لكلمة إعجاز يدل على التأخر، فإعجاز القرآن كما في مناهل العرفان

هو إثبات القرآن عجزاً الخلق عن الإتيان بما تحداهم به.

4. العرض التاريخي المجمل لمسيرة التأليف في باب الإعجاز القرآن عند المتقدمين

  • الكتابة في باب إعجاز القرآن جاءت استجابة للتطورات والتحديات العقدية في القرون المتقدمة.

  • التأليف في هذا الباب قسمان تأليف ضمني وتأليف مستقل.

التأليف الضمني

  • التأليف الضمني هو تأليف سابق للتأليف المستقل، وإن كان تأليفاً ليس في الكمال والتمام كما هو التأليف في الكتب المستقلة.

  • نستطيع أن نقول إن بوادر الكتابات وإن لم تكن متمحضة في إعجاز القرآن ما كتبه الإمامان اللغويان الكبيران أبو عبيدة في مجاز القرآن والفراء في معاني القرآن.

  • نجد أول ما نجد قضية مواجهة الزنادقة في كتاب ابن قتيبة تأويل مشكل القرآن في القرن الثالث الهجري:

وَقَدْ اعْتَرَضَ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِالطَّعْنِ مُلْحِدُونَ، وَلَغُوا وَهَجَرُوا، وَاتَّبَعُوا مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، بِأَفْهَامٍ كَلَيْلَةٍ، وَأَبْصَارٍ عَلِيلَةٍ، وَنَظَرٍ مَدْخُولٍ، فَحَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَعَدَلُوا بِهِ عَنْ سَبِيلِهِ، ثُمَّ قَضُوا عَلَيْهِ بِالتَّنَاقُضِ وَالِاسْتِحَالَةِ وَاللَّحْنِ، وَفَسَادِ النَّظْمِ وَالِاخْتِلَافِ، وَأَدْلَوْا بِذَلِكَ بِعِلَلٍ رُبَّمَا أَمَالَتِ الضَّعِيفَ الْغُمْرَ، وَالْحَدِيثَ الْغِرَّ، وَاعْتَرَضَتْ بِالشُّبْهَةِ فِي الْقُلُوبِ، وَقَدَحَتْ بِالشُّكُوكِ فِي الصُّدُورِ.
وَلَوْ كَانَ مَا لَحَنُوا إِلَيْهِ عَلَى تَقْرِيرِهِمْ وَتَأْوِيلِهِمْ لَسَبَقَ إِلَى الطَّعْنِ فِيهِ مَنْ لَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجُّ بِالْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ، وَيَجْعَلُهُ عَلَمَ نَبُّوتِهِ، وَالدَّلِيلَ عَلَى صِدْقِهِ، وَيَتَحَدَّاهُمْ فِي مُوَاطِنَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ، وَهُمُ الْفُصَحَاءُ وَالْبُلَغَاءُ، وَالْخُطَبَاءُ وَالشُّعَرَاءُ، وَالْمَخْصُوصُونَ مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الْأَنَامِ، وَبِالْأَلْسِنَةِ الْحِدَادِ وَاللَّدَدِ فِي الْخِصَامِ، مَعَ اللُّبِّ وَالنُّهَى وَأَصَالَةِ الرَّأْيِ. فَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْكِتَابِ. وَكَانُوا يَقُولُونَ مَرَّةً: هُوَ سِحْرٌ، وَمَرَّةً: هُوَ شِعْرٌ، وَمَرَّةً: هُوَ قَوْلُ الْكَهَنَةِ، وَمَرَّةً: أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

  • تأويل مشكلة القرآن أجاب عن الشبهات المثارة على القرآن، سواء من جهة إعجازه أو من جهة تفسيره أو من جهة انتظامه من ناحية المعاني.

  • اعتنى علماء التفسير ببيان إعجاز القرآن، والمواضع التي يبين فيها علماء التفسير إعجاز القرآن غالبا تكون في موضعين:

  • في المقدمات كما فعل ابن عطية في المحرر.

  • وفي آيات التحدي.

  • المجال الرابع في الكتب الضمنية: مجال كتب علوم القرآن، وأشهر ما كتب في علوم القرآن في التراث الكتابان العمدة والشأن وعليهما المدار: البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي.

  • فنجد أن كلاهما يذكروا من ضمن الأبواب والأنواع في علوم القرآن إعجاز القرآن،فمثلاً ذكر الزركشي 17 وجهاً من الوجوه التي كانت بها القرآن معجزة

والسيوطي كذلك أفاض في المسألة كثيراً.

  • المجال الخامس: كتب العقائد الإسلامية التي اعتنت بإثبات أصول الإسلام مثل كتاب القاضي عياض الشفا بتعريف حقوق المصطفى، وكذلك كتاب الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد للبيهقي ذكر فيه إعجاز القرآن.

التأليف المستقل

  • أول من كتب كتاباً مستقلاً في إعجاز القرآن هو الحاجظ في البيان والتبيين.

  • ثم أبو عبد الله الواسطي وكتب كتاباً في إعجاز القرآن سماه إعجاز القرآن، وهو أول كتاب يأخذ هذا الاسم.

  • ثم جاءتنا ثلاثة كتب متتالية كلها مطبوعة وموجودة ومتداولة، ومعظم الباحثين المعاصرين لا يسمي هذه الثلاثة كتبًا بل يسميها رسائل:

  • بيان إعجاز القرآن للخطابي.

  • والنكت في إعجاز القرآن للرماني.
  • والرسالة الشافية للجرجاني.

  • ثم جاء عبد القاهر صاحب الرسالة الشافية فكتب دلائل الإعجاز.

  • ثم جاء بعد ذلك الرازي فكتب نهاية الإعجاز، وهو كتاب ملخص لكتاب دلائل الإعجاز لعبد القادر الجرجاني.

  • ثم جاء بعد ذلك كتب من أهمها الكتاب الضخم الكبير معترك الأقران في إعجاز القرآن وهو ثلاثة مجلدات ضخمة للسيوطي.

5. القضايا الكبرى في إعجاز القرآن عند المتقدمين

  • هناك أربع قضايا هي أكبر ما أراد المتقدمون من أهل العلم إثباته أو الحديث عنه في كتب إعجاز القرآن.

1. إثبات عجز العرب عن معارضة القرآن

  • قضية ضخمة، أفردت لها بعض المؤلفات، وإن كانت في الكلام وفي الحديث سهلة سلسة صغيرة غريبة إلا أنها في الإثبات وفي التفصيل عجيبة غريبة.

  • الرسالة الشافية للجرجاني كلها في هذا الموضوع فقط.

  • من الكتب التي اعتنت كثيرا بهذه النقطة كتاب القاضي عبد الجبار في المجلد السادس عشر من موسوعاته المغني في باب عجاز القرآن، وإن كانت موسوعة فيها انحرافات عقدية متعددة.

  • الرسالة الشافية للجرجاني المختصرة تكفي عن رسالة عبد الجبار.

2. بيان الوجوه التي بها ولها وبسببها كان القرآن معجزا

  • حين أثبت المتقدمون الإعجاز يريدون أن ينتقلوا بك إلى قضية أخرى وهي أن نبحث لماذا عجزوا؟ ما السبب؟ ما الأمر؟ ما الصفة؟ وما الاعتبار الذي في القرآن الذي عجزهم حقاً عن أن يجاروه وعن أن يأتوا مثله؟ فهنا يذكرون الوجوه، ويذكرون وجوهاً كثيرة أحدها هو القضية الثالثة، ولا يكاد كتابه في إعجاز القرآن إلا ويتكلم عن هذه القضية، وهي قضية الصرفة.

3. قضية الصرفة

  • أن العرب إنما عجزوا عن معارضة القرآن ليس لأنه لا يمكن معارضته، بل لأن الله صرفهم عن معارضته، فكانت معجزة النبي ﷺ معجزة بأن عطل الله قدرات الناس عن أن يأتوا بمثل القرآن، وهذا قول باطل، وهو الذي استفز الجاحظ ليكتب الاحتجاج لنظم القرآن ردًا على شيخه النظام.

4. الكلام على حد الفصاحة ومعيار البيان الذي كان بسببه القرآن معجزا

6. استعراض مناهج المتقدمين في حقيقة الإعجاز القرآني (الخطابي والباقلاني والجرجاني)

  • كتاب النبأ العظيم وإن كان ليس من المتقدمين ولكنه سار على سير المتقدمين وهو أفضل ما كتب في هذا العصر بدون منازع في هذا الباب.
  • بيان عجاز القرآن للخطابي كتاب ليس صعبا ولكن سهل ممتنع ولغته عالية ولكن ليس مثل الجرجاني.

بيان إعجاز القرآن للخطابي

  • مطبوع ضمن “ثلاثة رسائل في إعجاز القرآن”، في خمسين صفحة.

  • الخطابي ميزته أنه ضليع في اللغة وضليع في علوم الشريعة، وله شرح للبخاري اسمه أعلام الحديث، ولمعالم السنن لأبي داوود، وله شرح في غريب الحديث.

  • كتاب الخطابي إمتاز بتحديد المعايير النظرية لإعجاز القرآن.

  • الجرجاني تفوق عليه في التطبيقات وفي الغوص في التفاصيل في تحديد وجه الإعجاز القرآن عمليا وتطبيقيا، لكن الخطابي تفوق في الصياغة النظرية لشمولية إعجاز القرآن ومعياريتها.

  • مثلا يقول “وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم”. ويقول: “واعلم أن القرآن إنما صار معجزًا لأَنه جاءَ بأَفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنًا أصح المعاني”.

  • إعجاز القرآن البلاغي عند الخطابي يعود إلى ثلاثة أشياء: اللفظ والمعنى والنظم.

  • النظم الذي هو الرباط بين اللفظ والمعنى، يعني النظم المتحكم في الجملة وليس في الكلام.

  • ويقول أيضا: “أَجناس الكلام مختلفة , ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة , ودرجاتها في البلاغة متابينة غير متساوية؛ فمنها البليغ الرصين الجزل , ومنها الفصيح القريب السهل؛ ومنها الجائز الطلق الرَّسْلُ. وهذه أَقسام الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم , الذي لا يوجد فى القرآن شيء منه البتة. فَالقسم الأول أَعلى طبقات الكلام وأَرفعه , والقسم الثاني أَوسطه وأَقصده , والقسم الثالث أدناه وأَقربه؛ فحازت بلاغاتُ القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصةً , وأَخذت من كل نوع من أنواع شعبة , فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة , وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين لأن العذوبة نتاج السهولة. والجزالة والمتانة تعالجان نوعًا من الوعورة , فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبوّ كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن , يسرها الله بلطيف قدرته من أمره ليكون آية بينة لنبيه , ودلالة له على صحة ما دعا إليه من أمر دينه.”

  • “ثم اعلم أن عمود هذه البلاغة التي تجمع لها هذه الصفات هو وضع كل نوع من الألفاظ التي تشتمل عليها فصول الكلام موضعه الأخص الأشكل به , الذي إذا أُبدل مكانه غيره جاء منه: إما تبدل المعنى الذي يكون منه فساد الكلام , وإما ذهاب الرونق الذى يكون معه سقوط البلاغة , ذلك أن فى الكلام ألفاظًا متقاربة في المعاني يحسب أكثر الناس أنها متساوية في إفادة بيان مراد الخطاب؛ كالعلم والمعرفة , والحمد والشكر , والبخل والشح , وكالنعت والصفة , وكقولك: اقعد والجلس , وبَلَى ونعم , وذلك وذاك , ومن وعن , ونحوهما من الأسماء والأفعال والحروف والصفات مما سنذكر تفصيله فيما بعد , والأمر فيها وفي ترتيبها عند علماء أهل اللغة بخلاف ذلك , لأن كل لفظة منها خاصية تتميز بها عن صاحبتها في بعض معانيها وإن كانا قد يشتركان في بعضها.”

  • كتاب الخطابي نستطيع أن نقول أنه يبنى على سبع محاور:

  1. إثبات عجز العرب مع فصاحتهم عن معارضة القرآن

  2. عرض الأقوال التي قيلت في وجه إعجاز القرآن

  • فذكر ثلاثة أقوال:

  • القول بالصرفة

  • والقول بالأخبار الغيبية
  • والقول الثالث هو البلاغة بالذوق دون معيار

  • ثم ردها كلها وقال أن القرآن إنما كان معجزاً لكلامه الذي ذكرناه قبل قليل بفصاحته وبيانه بالمعيار الذي ذكره.

  1. تحديد وجه إعجاز القرآن عنده
  • وهي المعايير التي ذكرتها في البداية.
  1. الاعتراضات والشبهات
  • التي ذكرت أنها عشرين وذكرت لكم بعض الأمثلة.
  1. الاعتراضات المثارة أو الشبهات المثارة ليس حول الآيات وإنما حول عجز العرب
  • فذكرها كلها بالتفصيل ورد عليها في رسالته.
  1. معيار المعارضة
  • ما المعيار الذي نستطيع أن نحكم به أن هذا الكلام عارض هذا الكلام؟
  1. أثر القرآن على النفوس
  • وهذا محور عجيب أشار إليه بكلام رائع جميل بعد أن انتهى من كل الكلام السابق والبلاغة والبيان والرد والشبهات، فقال: “وفي إعجاز القرآن وجهًا آخر ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ من آحادهم، وذلك صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوما ولا منثورا، إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق، وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس وبين مضمراتها وعقائدها الراسخة فيها؛ فكم من عدو للرسول ﷺ من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن، فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركنوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عداوتهم موالاة، وكفرهم إيمانا.”

إعجاز القرآن للباقلاني

  • كتاب الخطابي تشعر أنك تتناول شيئا لذيذا سهلا أما كتاب الباقلاني يحتاج إلى تركيز وإن كان ليس صعبا.

  • الباقلاني معروف باهتمامه في باب الدفاع عن الدين أو عن أصول الدين، فيقول في مقدمة كتابه:

الجهل ممدود الرواق، شديد النفاق [يعني: الانتشار]، مستول على الآفاق، والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهله في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الاسد الشتيم [الكريه الوجه] حتى صار ما يكابدونه قاطعا عن الواجب من سلوك مناهجه، والاخذ في سبله. فالناس بين رجلين: ذاهب عن الحق، ذاهل عن الرشد، وآخر مصدود عن نصرته، مكدود في صنعته. فقد أدى ذلك إلى خوض الملحدين [الزنادقة]، في أصول الدين، وتشكيكهم أهل الضعف في كل يقين. وقد قل أنصاره، واشتغل عنه أعوانه، وأسلمه أهله. فصار عرضة لمن شاء أن يتعرض فيه، حتى عاد مثل الامر الاول على ما خاضوا فيه عند ظهور أمره. فمن قائل قال: إنه سحر، وقائل يقول: إنه شعر، وآخر يقول: إنه أساطير الاولين، وقالوا: لو نشاء لقلنا مثل هذا. إلى الوجوه التى حكى الله عز وجل عنهم أنهم قالوا فيه، وتكلموا به، فصرفوه إليه. وذكر لى عن بعض جهالهم أنه جعل يعدله ببعض الاشعار، ويوازن بينه وبين غيره من الكلام، ولا يرضى بذلك حتى يفضله عليه! وليس هذا ببديع من ملحدة هذا العصر، وقد سبقهم إلى عظم ما يقولونه إخوانهم من ملحدة قريش وغيرهم. إلا أن أكثر من كان طعن فيه في أول أمره استبان رشده، وأبصر قصده، فتاب وأناب، وعرف من نفسه الحق بغريزة طبعه، وقوة إتقانه، لا لتصرف لسانه، بل لهداية ربه وحسن توفيقه. والجهل في هذا الوقت أغلب، والملحدون (٤) فيه عن الرشد أبعد، وعن الواجب أذهب.

  • فقد أُلِف هذا الكتاب بغرض الإحتجاج للقرآن وإثبات معجزته في مقابل تشكيك الملاحدة والزنادقة والباطنية.

  • بعد ذلك انتقل الباقلاني لإثبات القضية الكبرى الأولى: إثبات عجز العرب، وانتصر واستدل وبرهن على أن السبب الأوحد لعدم المعارضة هو العجز.

  • ذكر الباقلاني ثلاثة وجوه لإعجاز القرآن:

  • الإخبار عن الغيوب المستقبلية، والمأخذ الأساسي على هذا القول هو أنه ليس كل السور فيها إخبار عن الغيوب، وبالتالي لا بد أن نقول أن إعجاز القرآن يكون شاملا لكل سورة من سور القرآن.
  • الإخبار عن الغيوب السابقة، فيقول: “كان معلوماً من حال النبي ﷺ، أنه كان أمياً لا يكتب، ولا يحسن أن يقرأ. وكذلك كان معروفاً من حاله أنه لم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين، وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم، ثم أتى بجمل ما وقع وحدث من عظيمات الأمور ومهمات السير من حين خلق الله آدم إلى مبعثه، مع أنه كان أمياً لا يكتب ولا يحسن أن يقرأ، ولم يكن يعرف شيئاً من كتب المتقدمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيرهم. ونحن نعلم ضرورة أن هذا مما لا سبيل إليه، إلا عن تعلم، وإذ كان معروفاً أنه لم يكن ملابساً لأهل الآثار وحملة الأخبار، ولا متردداً إلى التعلم منهم، ولا كان ممن يقرأ، فيجوز أن يقع إليه كتاب فيأخذ منه - علم أنه لا يصل إلى علم ذلك إلا بتأييد من جهة الوحي”.
  • بلاغة القرآن وكونه بديع النظم عجيب التأليف، وفصل في ذلك في عشرة أوجه، فلم يصغ معيارًا لفظيًا ولا طبقه، لكنه ذكر عشرة وجوه تفوق بها القرآن بلاغيا:
  1. “منها ما يرجع إلى الجملة، وذلك أن نظم القرآن على تصرف وجوهه، وتباين مذاهبه خارج عن المعهود من نظام جميع كلامهم، ومباين للمألوف من ترتيب خطابهم، وله أسلوب يختص به، ويتميز في تصرفه عن أساليب الكلام المعتاد”.

  2. “ليس للعرب كلام مشتمل على هذه الفصاحة والغرابة والتصرف البديع، والمعاني اللطيفة، والفوائد الغزيرة، والحكم الكثيرة، والتناسب في البلاغة والتشابه في البراعة، على هذا الطول، وعلى هذا القدر”.

  3. “عجيب نظمه، وبديع تأليفه لا يتفاوت ولا يتباين، على ما يتصرف إليه من الوجوه التى يتصرف فيها ويشتمل عليها”

  4. “كلام الفصحاء يتفاوت تفاوتاً بيناً في الفصل والوصل والعلو والنزول، والتقريب والتبعيد، وغير ذلك مما ينقسم إليه الخطاب عند النظم، ويتصرف فيه القول عند الضم والجمع”.

  5. “نظم القرآن وقع موقعاً في البلاغة يخرج عن عادة كلام الجن، كما يخرج عن عادة كلام الانس، فهم يعجزون عن الإتيان بمثله كعجزنا، ويقصرون دونه كقصورنا”.

  6. “أن الذى ينقسم إليه الخطاب، من البسط والاقتصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح، والتجوز والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم - موجود في القرآن، وكل ذلك مما يتجاوز حدود كلامهم المعتاد بينهم في الفصاحة والابداع والبلاغة”.

  7. “أن المعاني التى تضمنها في أصل وضع الشريعة والأحكام والاحتجاجات في أصل الدين، والرد على الملحدين، على تلك الألفاظ البديعة، وموافقة بعضها بعضاً في اللطف والبراعة مما يتعذر على البشر ويمتنع”.

  8. “أن الكلام يتبين فضله ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف كلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذها الاسماع وتتشوف إليها النفوس، ويرى وجه رونقها باديا، غامرا سائر ما تقرن به، كالدرة التي ترى في سلك من خرز، وكالياقوتة في واسطة العقد. وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهى غرة جميعه، وواسطة عقده، والمنادى على نفسه بتميزه، وتخصصه برونقه وجماله، واعتراضه في حسنه ومائه”.

  9. “أن الحروف التي بني عليها كلام العرب تسعة وعشرون حرفاً، وعدد السور التي افتتح فيها بذكر الحروف ثمانية وعشرون سورة وجملة ما ذكر من هذه الحروف في أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة، وهو أربعة عشر حرفاً، ليدل بالمذكور على غيره، وليعرفوا أن هذا الكلام منتظم من الحروف التي ينظمون بها كلامهم”.

  10. أنه سهل سبيله، فهو خارج عن الوحشي المستكره والغريب المستنكر، وعن الصنعة المتكلفة. وجعله قريباً إلى الإفهام، يبادر معناه لفظه إلى القلب، ويسابق المغزى منه عبارته إلى النفس. وهو مع ذلك ممتنع المطلب، عسير المتناول، غير مطمع مع قربه في نفسه، ولا موهم مع دنوه في موقعه - أن يقدر عليه، أو يظفر به”.

دلائل الإعجاز للجرجاني

أ- من أشهر المعاصرين الذين يعتنون بهذا الكتاب الدكتور محمد محمد أبو موسى من طلاب العلامة محمود شاكر، والدكتور إبراهيم الهدهد.

  • عبد القاهر الجرجاني عاش في القرن الخامس وتوفي 471 هـ، وقد استفاد من عالمين قبله هما الجاحظ وسيباويه.

  • الكتاب فكرة واحدة وتطبيقات، فهو يقول أن إعجاز القرآن ليس في الألفاظ ولا في المعاني بل في النظم وهو كيفية ترتيب الكلام في الجملة واختيار الكلمات على حسب معاني النحو.

  • موضوعات النظم متعلقة بعلم المعاني، الذي يحتوي على موضوعات مثل التقديم والتأخير، والتعريف والتنكير، والتذكير والتأنيث، والضمائر، وأنواع الخبر.

  • يفصل عبد القاهر في هذه المعاني، فيقول أن إعجاز القرآن في نظمه، وذلك أن وجوه النظم التي هي التعريف والتنكير والتذكير والتأنيت والتقديم والتأخير في القرآن على وجه لا يوجد مثله في كلام العرب.

  • الذين استفادوا من عبد القاهر بعده كثير من أبرزهم الزمخشري في تفسيره الكشاف.


Last update : August 14, 2023
Created : January 2, 2023

Comments

Comments