Skip to content

ارتياض العلوم

ارتياض العلوم

معالج:: 1
التسميات:: كتاب/البناء_المنهجي
الحالة:: كتاب/مكتمل
الرابط:: https://www.goodreads.com/book/show/29621448
الصفحات:: 258
الصيغة:: EPUB, PDF
الغرض:: التعلم, الدين
المؤلف:: مشاري سعد الشثري
الناشر:: مركز البيان للبحوث والدراسات
تاريخ القراءة:: 2021-12-09
سنة النشر:: 2016


فوائد

حب العلم

  • “وإذا كانت النَفْسٌ تُقبل على العلم بما تكرهه لتكون على بَصَرَ بمفسدته فتسعى بعد ذلك في اتقائه، فإنهًا تكون أعظمٌ إقبالا على ما تَحبّهُ ابتغاءَ مصلحته ولذّته؛ لأنّ انسياقٌ النفس إلى مصالحها ولذّاتها أَطوّعٌ لطبعها وأسْمّحَ لطلبها.” ص16
  • يقرر ابن القيم (مفتاح دار السعادة 1:400) “أن المرء لن يكون عالمًا حتى تقوم فيه شهوة العلم، وتكون - زيادة على ذلك غالبة على شهواته الأخرى، فـ (من لم تغلب لذة إدراكه للعلم وشهوته على لذة جسمه وشهوة نفسه = لم ينل درجة العلم أبدا، فإذا صارت شهوته في العلم ولذته في إدراكه رُجِيَ له أن يكون من جملة أهله)”. ص17
  • نقل أبو هلال العسكري “عن بعض الأوائل أنه لا يتم العلم لطالبه إلا بستة أمور، وكلما نقص نصيبه منها دخل ذلك بالنقص على مقداره من العلم، وذكر منها أن تكون للطالب (شهوة)، ثم قال أبو هلال: (وذَكَرَ الشهوة؛ لأن النفس إذا اشتهت الشيء كانت أسمح في طلبه، وأنشط لالتماسه، وهي عند الشهوة أقبل للمعاني، وإذا كانت كذلك لم تدخر من قواها، ولم تحبس من مكنونها شيئا، وآثرت كدَّ النظر على راحة الترك).” ص 18
  • “وكما أن حب العلم شرط تحصيله، فكذلك حب متعلقاته ووسائله، ومنها حب كتبه، والتَّهالك على اقتنائها، وعن ذلك يقول الجاحظ: من لم تكن نفقته التي تخرج في الكتب ألذ عنده من إنفاق عشاق القيان والمستهترين بالبنيان = لم يبلغ في العلم مبلغًا رضيا، وليس ينتفع بإنفاقه حتى يُؤْثِر اتخاذ الكتب إيثار الأعرابي فرسه باللبن على عياله، وحتى يؤمِّل في العلم ما يؤمِّل الأعرابي في فرسه).” ص 19
  • نقل المزني عن الشافعي قوله: “(من لا يحب العلم فلا خير فيه، ولا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة).” ص25

سراب العلم

  • “طالب العلم الحق هو من يأنس بالبحث (في) العلم أشد من أنسه بالحديث (عن) العلم، وكثير من المنتسبين للطلب إنما هم طلاب حديث عن العلم لا طلاب بحث فيه.” ص36
  • “التكوين العلمي الراشد ليس محتاجا لإجابات مفصلة جاهزة عن سؤال الوسائل، وهو يتأبى على أن تكتب نهاياته في خُطَّة علمية يرسمها مبتدئ في العلم أو يوصي بها متقدم فيه، فإن الحوائج العلمية لطالب العلم تتجدد كلما ترقى في سلم التحصيل، ومن هنا ينبغي عليه أن يطمس من قاموس سؤالاته كل سؤال يتعدى مرحلته الراهنة؛ لأن السبيل ستستبين له مع كل ترقٍ، فليست الخُطَّة العلمية مما يكتب بمداد الحبر؛ بل إنما تتخلق بعرق الإنجاز.” ص 38
  • “قال ابن الجوزي: (إن الله - عز وجل - لما أراد بقاء العلم لأنه الدليل عليه جعل بين طباع الناس وأصناف العلم مناسبة جوهرية وعلاقة خفية، فينجذب كل طالب علم إلى ما يناسب جوهريته، لينحفظ بجملتهم العلم) آفة أصحاب الحديث (177-178)” ص39
  • “من أشد ما يقطع على طالب العلم طريق تحصيله هو الإيغال في البحث عن إجابة لسؤال الوسائل، فإياك وإياه” ص41

هّم العلم

ملكات طالب العلم في المراحل المختلفة (ص 46)
  1. “تحصيل مادة العلم، تصورا وتصديقا” وتلقف مواد كل علم وتحصيل مسائله ودلائله. ملكاتها: قوة الحفظ، وحسن الفهم، وسرعة التصور وسلامته.
  2. “مرحلة يعنى فيها بدرس ما جمعه، ثم ينطلق إلى ما وراء ذاك المجموع ملاحقا بقية المسائل والدلائل بحاسة متجددة تجمع وتقوم وتستثمر”. ملكاتها: التحليل، والتركيب، والمقارنة والتقويم.
  3. مرحلة الإنتاج. ملكاتها: حسن الإبانة عن العلم، وجودة تصويره، وفقه تعليمه، وإتقان كتابته وتدوينه.
  • “إذا فقِه الطالب المدارات العامة لمراحل التحصيل، وأدرك تشعب العلم واتساع آماده، فإن عليه أن يوطئ أكناف عزمه وهمه لتقحم عقباته، ويأخذ من المجاهدة والمصابرة بحظ وافر، فإن المسيرة العلمية حافلة بالمشاق، مترعة بالهموم، ولا تأتي على طالب العلم مرحلة إلا والتي بعدها أشق منها، وقل ما تراه يخلف عقبة من البلاء إلا صار في أخرى، فحتى ولو كان معتدل المسير في ابتداء طلبه إلا أن (أواخر الأمور لا تبقى على وفق طلب أوائلها، بل تنسل عن الضبط)، وهذا مع ما يلحقه من هم يملأ قلبه ويعنّي عقله إلا أنه أمارة تقدم علمي، فكلما اشتد عود الهموم العلمية بطالب العلم كان ذلك دالا على صدق طلبه، وعونا له على الإيغال في تحصيله” ص48
  • “وكلما تضاءل الهم واضمحل فترت عزائم الطلبة، وكلت سواعد عقولهم، ونضبت مياه أمانيهم… والشأن كما يقول أبو الطيب: (يخلو من الهم أخلاهم من الفِطَنِ)” ص49
  • “العلم عزيز، ومن عزته نفرته من الهموم المشاركة، ولا سيما هموم الدنيا وسطوة الأحداث المحيطة، وكلما كان الطالب أملك لهمه كان أحظى بالنبوغ في علمه، فلا بد له من حيازة همه وجمع خاطره، فإن (رأس ماله جمع الخاطر، وإجمام القلب، واستعمال الفكر)، ومن هنا ففلاح طالب العلم مرهون بمدى استطاعته على تقليص هموم دنياه والتقليل من نفوذ محيطه عليه” ص49
  • “ولما أخذ الجاحظ في المفاضلة بين الحفظ والاستنباط بيّن افتراقهما، ولكنه أعقب ذلك ببيان أن ما يستعان به عليهما متفق عليه، وهو فراغ القلب، فقال: (طبيعة الحفظ غير طبيعة الاستنباط، والذي يُعالجان به ويستعينان عليه متفق عليه؛ وهو فراغ القلب للشيء والشهوة له، وبهما يكون التمام، وتظهر الفضيلة).” ص50
  • “وبقدر اتصال الطالب بالعلم وارتباطه بمصادره تدنو منه مسائله، وتتهادى إليه حقائقه، ويكون حضورها في ذهنه أبقى، لمواظبته عليها وارتياضه بها، والشأن كما قال الجاحظ: (إنما فرق بين أصحاب الصناعات وبين من لا يحسنها، التزيد فيها، والمواظبة عليها).” ص53
  • “وكما أن تقطع التحصيل يمنع الهم من الانجماع فكذا تنقله، فإن تنقل التحصيل من كتاب لآخر قبل استتمام الأول - إن لم يكن باعثه إلا الملل وإخوانه - يشتت الهم ويشرد العلم، وكذا القول في التنقل بين المعلمين والفنون والوسائل.

قال برهان الدين الزنوجي: (اعلم بأن الصبر والثبات أصل كبير في جميع الأمور، ولكنه عزيز… فينبغي أن يثبت ويصبر على أستاذ وعلى كتاب حتى لا يتركه أبتر، وعلى فن حتى لا ينشغل بفن آخر قبل أن يتقن الأول)، وعلى بلد حتى لا ينتقل إلى بلد آخر من غير ضرورة، فإن ذلك يفرق الأمور، ويشغل القلب، ويضيع الأوقات).” ص55

تقنيات يستعين بها الطالب على جمع الهم (ص56-64)
  1. التركيز على الإنجاز اليومي بقطع النظر عن نهايات المشاريع، ومُنْجَزُ طالب العلم حينئذ يكون بما حصله في يومه.
    - رأس مال الإنجاز هو الجد والمصابرة والإنجاز المنتظم.
    - لا تحدثني عن قدراتك الفائقة، وآمالك الكبرى، وخططك المستقبلية.. حدثني (فقط) عن إنجازك اليومي، فهو برهان آمالك وعنوان نهاياتك. قال أحمد أمين: (قليل من الزمن يخصص كل يوم لشيء معين قد يغير مجرى الحياة، ويجعلك أقوم مما تتصور وأرقى مما تتخيل). وقال مارون عبود: (إن ساعة تنتزع كل يوم من ساعات اللهو وتستعمل فيما يفيد تمكن كل امرئ ذي مقدرة عقلية أن يتضلع من علم بتمامه).
    - المهم في جميع الأحوال هو الاستفادة التامة من الساعات المخصصة للعمل؛ وذلك بالتركيز التام، وحشد الخاطر، ثم المثابرة دون انقطاع، سواء في الكتابة أو القراءة.
  2. الانقطاع المرحلي إلى مشروع علمي متكامل يحقق به طالب العلم قفزة معرفية في أحد مجالات العلم والمعرفة. (من انقطع إلى شيء أتقنه).
    - قال أبو هلال العسكري (400ه): (اجتهد في تحصيل العلم ليالي قلائل، ثم تذوق حلاوة الكرامة مدة عمرك، وتمتع بلذة الشرف فيه بقية أيامك، واستبقِ لنفسك الذكر به بعد وفاتك).
    - للقفزات فقهًا ينبغي عليه مراعاته لتؤتي قفزته ثمرتها:
    1. لتكن في كل قفزة محدودَ المصادر، ولا تشتت قفزتك بكثرة منافذ المطالعة، فالانقطاع المرحلي بحاجة إلى مزيد تركيز وتكثيف للنظر في مساحات محدودة.
    2. أعد مُتَّكَأَ القفزة بعناية، أبلغ في ترتيبه وتطييبه، خلصه من مكدرات العصر: وسائل التواصل الاجتماعي، افعل كل ما يعينك على إنجاز مشروعك، ولو كلفك الكثير، ولا تكن شحيحًا، فـ (الاقتصاد الصحيح أن تنفق في ما تحتاج إليه كل مبلغ مهما يكن كبيرًا).
    3. لتكن أيام قفزتك كالشركاء المتشاكسين، يقايض بعضها بعضًا.. لا تُجرِ بينها عقود تبرع. إذا فاتك نصيب الفجر فأدِّه الظهر، أو نصيب العصر فأدِّه المغرب، ولا تؤجل؛ فإنما سيل العثرات اجتماع نُقط التأجيل.
  • “إنّ العلم الحق هو الذي يباعد بين الطالب ودنياه، فإذا كان الأمر بخلاف ذلك دل على ارتباك في نيته، ولذلك قال سفيان (161ه): (ما ازداد عبد علمًا فازداد في الدنيا رغبة إلا ازداد من الله بعدًا)” ص64
  • “من أكبر ما يفتن بعض طلبة العلم في هذا الزمان أنهم يرمقون بأبصارهم دنيا غيرهم، فيكون في ذلك فتنة لهم، ولو أنهم قصروا الطرف على ما هو جدير بأن يقصر الطرف عليه لعلموا أن هذه الدنيا بكل ملذاتها لا تعدل لذة مسألة من مسائل العلم تكشفت للطالب حقائقها ودقائقها.” ص65
  • “مَن شغل أوائل عمره وعنفوان شبابه بطلب الفضائل لا بد أن يَفطم نفسه عن بعض شهواتها، ويحبسها عن الأمور التي يشتغل بها أترابه ومعارفه من الملاهي ومجالس الراحة وشهوات الشباب، فإذا انتهى إليه ما هم فيه من تلك اللذات والخلاعات وجد في نفسه بحكم الشباب وحداثة السن وميل الطبع إلى ما هناك مرارة، واحتاج إلى مجاهدة يرد بها جامح طبعه ومتفلِّتَ هواه ومتوثِّبَ نشاطه، ولا يتم له ذلك إلا بإلجام شهوته بلجام الصبر ورباطها بمربط العفة. وكيف لا يجد مرارة الحبس للنفس من كان في زاوية من زوايا المساجد ومقصورة من مقاصر المدارس، لا ينظر إلا في دفتر، ولا يتكلم إلا في فن من الفنون، ولا يتحدث إلا إلى عالم أو متعلم، وأترابه ومعارفه من قرابته وجيرانه وذوي سنه وأهل نشأته وبلده يتقلبون في رافِهِ العيش ورائقِ القَصف… ثم إذا نال من المعارف حظًا وأحرز منها نصيبًا ودخل في عداد أهل العلم كان متقلبًا في اللذات النفسانية التي هي اللذات بالحقيقة، ولا يعدم عند ذلك من اللذات الجسمانية ما هو أفضل وأحلى من اللذات التي يتقلب فيها كل من كان من أترابه. وهو إذا وازن بين نفسه الشريفة وبين فرد من معارفه الذين لم يشتغلوا بما اشتغل به اغتبط بنفسه غاية الاغتباط، ووجد من السرور والحبور ما لا يقادر قدره (الشوكاني - أدب الطلب ومنتهى الأرب 119-120)” ص66-67
  • “ينبغي لطالب العلم ألّا ينسحب عن واقعه فيدخل ذلك بالنقص على تصوراته؛ فإن من مقاصده في تحصيل العلم أن يكون له بعد حين أثر في واقعه بصرف النظر عن امتداد ذلك الأثر أو تقلصه … ولكن ليكن من ذلك على حذر، … ولذلك طرائق تتفاوت بتفاوت الطلبة. من تلك الطرائق مثلًا التمييز في التعاطي مع الواقع بين التحصيل والإنتاج، بحيث تتسع دائرة تحصيله لمطالعة ما يتعلق بواقعه، ولكن إنتاجه يقصر على اهتماماته العلمية؛ وسبب ذلك أن الإنتاج له تبعات … سؤالات كانت أو ردودًا أو غيرها، وهكذا حتى يستولي ذلك على وقته، ويطغى على تفكيره، وإذا شخص طالب العلم برأسه في غير شأنه فما أسرع أن تسحب أقدامه من تحته ليلقى بها في أودية نائية عن تخصصه العلمي.” ص68
  • “وإذا كان اشتغال طالب العلم بهوامش المعرفة وما كان منها واقعًا خارج بيته العلمي مضرًا بمسيرته، مشتتًا لعزمه وهمه، فانظر إلى ولاية القضاء، وهي تتعلق بجوهر العلم، وتحفز القاضي على مزيد من البحث والتفتيش في مدونات الفقه، ولكنها لما كانت تشغل القاضي عن تحصيله العلمي، وتقصر بحثه ونظره على ما يكون محل خصومات الناس استحب له بعض أهل العلم ألا يطيل المكث في القضاء، حتى روي عن أبي حنيفة (150ه) - رحمه الله - أنه قال: (لا يترك القاضي على القضاء إلا حولًا؛ لأنه إذا اشتغل بالقضاء ينسى العلم، فيعزله السلطان بعد الحول ويستبدل به حتى يشتغل بالدرس).” ص69
  • “مما يعزز هذه الصوارف المعرفية ويُذكِي نارها: وسائل التواصل الحديثة بمختلف أشكالها، فهي تفرض على طالب العلم المُلابسِ لها نمطًا من المعارف المُلَحِيَّة التي تناسب الفضاء العام، فتستهلك وقته وجهده، حتى لا يكاد يبصر من العلم إلا ما كان منه على وزانها ومساحتها، فحتى لو جمع همه على العلم، فإنه يجمع همه على نوع من المعارف العجماء التي لا تُنقي.” ص70
  • “يفتقد طالب العلم في هذا الزمان ذلك المحيط الطاهر، يوم أن كان يدرُج إلى مكتبته، يقرأ ويحفظ ويكتب دون أن يعلم به أحد، دون أن «يُغرّد» بفائدة من هذا الكتاب أو ذاك، دون أن يصور صفحات مما بين يديه من الكتب ليزج بها في أحد مجموعات المحادثة «الواتسبية» أو القنوات «التلجرامية»، دون أن يشتغل قلبه بالتفكير في طرق إعادة إنتاج ما يحصّله عبر برامج التواصل الحديثة.. كانت تلك اللحظات من أشد لحظات تحصيله طهرًا وصفاءً، كانت النية أحسن تجردًا، والهمة أكثر صدقًا، والهم أمكن انجماعًا، والعزيمة أكثر نفوذًا. كان الوقت خالصًا للطلب والتحصيل، خالصًا لمتين العلم، قبل أن تكدّر صفاءه برامج التواصل.. والآن، فقد اضطره الأمر إلى أن يكون كل شيء مكدرًا لا صفاء فيه، شائعًا لا خصوصية فيه، أو هكذا أحب له أن يكون.” ص71

شعاب العلم

  • “(يُنْبَغي لِمَنْ يحبُ العِلمَ أنْ يَفْتنَ في كل مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنّ العلوم. إلا أنه يَكونُ مُنْفَردًا غالبا عَلَيْهِ مِنْهَا عِلْمُ يَقصِدُهُ بِعَيْنهِ وَيبَالِغ فِيهِ) المُبرد” ص73
  • “(فرد واحد لا يستطيع أن يستوعب نتائج العلوم لكثرتها وتشعبها، وفرد واحد هو الذي ينبغي أن يتوصل إلى كشف علمي أو نظرية واحدة لتفسير النتائج التي توصلت إليها العلوم المختلفة) عبد الوهاب المسيري.” ص75
  • “لم يكن المسلمون في العهد الأول يعرفون هذه العلوم بتصنيفها الحالي، بل كانت العلوم عندهم لحمة واحدة، ووشائجَ مترابطة، والعلم كان هو الفقه في الدين بشتى موضوعاته، وإن كانت بعض العلوم تتمثل على هيئات اهتمامات عند بعض علماء الصحابة - رضي الله عنهم - … لكنّ هذه الاختصاصات كانت في ذهنية ذلك العهد تمثل اهتمامًا بموضوعات داخل علم، ولم تكن تظهر بصفتها اختصاصات تحيز هذه الموضوعات لتكون علومًا مفردة بمناهج مستقلة.” ص77
السبيل إلى الخلاص من إعضال هذه المعادلة (ثنائية التخصّص والتوسع)
أولا

“العلماء كلهم مقرّون باتساع العلم، وتشعب أوديته، وأن أحدًا ليس بمقدوره التسلط على شتى مسائله بالفقه والدراية، ولذلك تنوعت كلماتهم في حل هذا الإعضال بحسب المحذور الذي انقدح في أذهانهم.” ص79

  1. “فمنهم من قدّر أن اتساع العلم ربما أدى ببعض الطلبة إلى المسارعة في تحصيله …، وأنّ العلم لا يتطامن لمثل هذه المسارعة والمعاجلة، ومن أولئك الإمام الزهري (124ه)، فقد قال ليونس بن يزيد (159ه): (يا يونس… لا تكابر هذا العلم، فإنما هو أودية، فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه، ولكن خذه مع الأيام والليالي، ولا تأخذ العلم جملة، فإن من رام أخذه جملة ذهب عنه جملة، ولكن الشيء بعد الشيء مع الليالي والأيام)”. ص79-80
  2. “ومنهم من قدَّر أنّ اتساع العلم ربما أغرق الطالب في لججه، وقذف به في مهامِهِ أوديته، فأوصى بأن يتجه اهتمامه إلى أنفعه، ولذلك قال حبر الأمة ابن عباس - رضي الله عنه - (68ه): (العلم أكثر من أن يحصى، فخذوا من كل شيء أحسنه).” ص80
    - “وفي هذا السياق يقول ابن الجوزي (579ه): (رأيت الشرَه في تحصيل الأشياء يفوّت على الشّرِهِ مقصوده). ولما ضرب لذلك مثلًا في العلم وتحصيله قال: (فإن قال قائل: أليس في الحديث: «منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا»؟ قلت: أما العالم فلا أقول له: اشبع من العلم، ولا: اقتصر على بعضه. بل أقول له: قدِّم المهم، فإن العاقل من قدر عمره وعمل بمقتضاه، وإن كان لا سبيل إلى العلم بمقدار العمر، غير أنه يبني على الأغلب، فإن وصل فقد أعد لكل مرحلة زادًا، وإن مات قبل الوصول فنيته تسلك به). وقال في موضع آخر: (أعلم أنه لو اتسع العمر لم أمنع من الإيغال في كل علم إلى منتهاه، غير أن العمر قصير، والعلم كثير).” ص80
  3. “ومنهم من أوصى طالب العلم بأن يعنى بدقائق العلوم لئلا تضيع، فإن اتساع العلوم ربما جرف الطالب عنها، وأغراه بمجانبتها، وفي ذلك يقول الشافعي (204ه): (من تعلم علمًا فليدقق فيه، لئلا يضيع دقيق العلم).” ص81
  4. “ومنهم من قدّر أنّ اتساع العلم ربما أغرى الطالب بأخذ نُتفٍ من جوانبه دون تحقيق لمسائله، وأن هذه النتف تكفي للوقوف على حقائق العلم، وأن ينال المرء منزلة العالمية؛ فدفعًا لمثل ذلك قال الخليل بن أحمد (170ه): (إذا أردت أن تكون عالمًا فاقصد لفن من العلم، وإن أردت أن تكون أديبًا فخُذ من كل شيء أحسنه).” ص81
ثانيا
  • “تمييز العلوم وتصنيفها لم يكن محلّ نقد عند العلماء، … وإنما كان محل نقدهم هو التوجه إلى علم من العلوم مع الإعراض عن سائرها”. ص81
ثالثا
  • “أنّ العلوم وإن كانت بادئ الأمر متحدة فذلك لا يعني أنّ كل علم لا يتأتَّى فهمُ مسائله إلا بالنظر في غيره”. ص82
خلاصة ما سبق
  • العلم أكبر من أن يحاط به، وأن العلماء لأجل ذلك أوصوا طالب العلم بعدم مكابرته وعدم تطلب الاستيلاء عليه جملة واحدة، وأن يعنى بأنفعه وأحسنه، وأن لا يضيع في مفاوزه حتى لا يفوت عليه مقصوده منه، وأن عليه إذا طلب أن يدقق؛ لئلا يضيع دقيق العلم، وأنه لن يبلغ أن يكون عالما إذا كان يتخير الأحسن من كل شيء، فهذا شأن الأدباء، وإنما العلم بتحقيق النظر في المسائل وتحريرها.
  • من المعيب مع ذلك أن يقبل الطالب بكليته على علم مع الإعراض عن سائر العلوم.
القدر المجزئ الذي يُحصِّل به طالب العلم الأنفع والأحسن

ويبلغ به أن يكون عالمًا، ويخرج به من معرَّة الإعراض المفضي إلى الجهل.

يقول ابن حزم:

  • “(من اقتصر على علم واحد لم يطالع غيره أوشك أن يكون ضُحكة، وكان ما خفي عليه من علمه الذي اقتصر عليه أكثر مما أدرك منه، لتعلق العلوم بعضها ببعض، وأنها درج بعضها إلى بعض. ومن طلب الاحتواء على كل علم أوشك أن ينقطع وينحسر، ولا يحصل على شيء، وكان كالمحضر إلى غير غاية، إذ العمر يقطر عن ذلك).” ص85
  • (ليأخذ من كل علم بنصيب، ومقدار ذلك معرفته بأعراض ذلك العلم فقط، ثم يأخذ مما به ضرورة إلى ما لا بد له منه، ثم يعتمد العلم الذي يسبق فيه بطبعه وبقلبه وبحيلته، فيستكثر منه ما أمكنه، فربما كان ذلك منه في علمين أو ثلاثة أو أكثر، على قدر زكاء فهمه، وقوة طبعه، وحضور خاطره، وإكبابه على الطلب، وكل ذلك بتيسير الله تعالى). ص85

“ونحوه ما حكاه الجاحظ (255ه) عن شيخه أبي إسحاق النَّظام (223ه تقريبًا) أنه قال: (من أراد أن يعلم كل شيء فينبغي لأهله أن يداووه، فإن ذلك إنما تصور له بشيء اعتراه! فمن كان ذكيًا حافظًا فليقصد إلى شيئين، وإلى ثلاثة أشياء، ولا ينزع عن الدرس والمطارحة، ولا يدع أن يُمِرَّ على سمعه وعلى بصره وعلى ذهنه ما قدر عليه من سائر الأصناف، فيكون عالمًا بخواصَّ، ويكون غير غُفل من سائر ما يجري فيه الناس ويخوضون فيه)” ص86

  • “التخصص كثيرًا ما يحرض المتخصص على الإزراء بسائر العلوم وأهلها، كما قال تاج الدين السبكي (771ه): (قلَّ ما رأيت سالك طريق إلا ويستقبح الطريق التي لم يسلكها، ولم يفتح له من قبلها، ويضع عند ذلك من غيره، لا ينجو من ذلك إلا القليل من أهل المعرفة والتمكين). وهذا - كما يقول ابن حزم (451ه): (كثيرًا ما يعرِضُ لمبتدئ في علم من العلوم، وفي عنفوان الصبا وشدة الحداثة)، ودواء مَن كانت هذه حاله أن يبيَّن له (أحد وجهين: إما نقص علمه الذي يتبجح به عن غيره من العلوم، أو فاقة علمه ذلك إلى غيره من العلوم، وأنه إن لم يضف غيره من العلوم إلى علمه كان ناقصًا لا ينتفع به كبير منفعة، بل لعله يستضر به جدًا)” ص87-88
العلم باللغة
  • “إن تعجَب فعجبٌ قول من يرى أن اللغة العربية مما لا يليق التوسع فيه إلا لمن تخصص فيها، وهذا رأي فائل لا خطام له ولا زمام، فإن التوسع في اللغة لا يزيد الناظر إلا بصرًا في تخصصه، أيًّا كان ذاك التخصص، واللغة العربية وإن كانت أحد العلوم التي تحيزت، فذلك من أجل ضبط قواعدها وتحرير أدلتها وبيان ما عليه لغة العرب، وما ينبغي أن يلحق بها ويطرد، لا أن يكون العلم بنتائجها من خاصة أهلها، فإذا ما استثنينا المباحث النظرية من علوم اللغة العربية، وما تعلق منها بأصولها الموطئة لنتائجها، فإن على طالب العلم أن يستكثر من تحصيل اللغة ما أمكنه ذلك، أما الوسائل التي توصل بها أهل اللغة لنتائجهم فالقول فيها كالقول فيما يؤخذ من سائر العلوم.” ص91-92

تحقيق العلم

  • “لتحصيل هذا العلم الموروث مقاصد، من أجلها مقصدان هما: الضبط والتحقيق، فالضبط لمقدمات ونتائج تلك العلوم، والتحقيق لتحريرها والوقوف على أغوارها ومقاصدها.” ص103
  • “التأصيل المنهجي أن يكون للطالب في كل مقصد منهج مؤصَّل وخطة مرسومة، أما التأصيل المرجعي فأن يتخذ من كتاب/مرجع ما أصلًا له”. ص104
  • “من وسائل تحقيق مقصدي الضبط والتحقيق:” التأصيل المرجعي. على طالب العلم أن يتخذ له أصلين مرجعيين: ص103-114
  1. أصل مرجعي للضبط، وذلك بأن يكون له في كل علم أصل يفيده الاحتواء على مجامع ذلك العلم ومبانيه، يضبط به مسائله ودلائله، ويقيد على حواشيه ما ظُفُر به من الفوائد من كتاب أو درس أو مذاكرة أو غيرها من نوافذ التحصيل.
    - وإذا ضم الطالب إلى اعتماده لهذا الأصل حفظه له بلغ الغاية في الضبط، فالحفظ من أشرف صناعات العلم، وهو من أعونها على استثماره والارتياض به، ف(إذا كان ما جمعتَه من العلم قليلًا وكان حفظاً كثرت المنفعة به، وإذا كان كثيرًا غير محفوظ قلت منفعته). قال عبد الله بن الحسن: (وجدت أحضر العلم منفعة ما وعيته بقلبي ولُكتُه بلساني).
    - أدنى مطالعة لتراجم العلماء في مختلف القرون تدلك على أن حفظ المتون كان نهجًا محكمًا لا يكاد يحيد عنه طالب العلم.
  2. أصل مرجعي للتحقيق، وهذا الأصل - كما هو بيّن من السياق - ليس بديلًا لأصل الضبط، بل هو قرين له، ولا غناء لطالب العلم عنهما، فلكل منهما مقصد لا يتم بناؤه حتى يبلغ الغاية منهما.
من حيث أصل الضبط أصل التحقيق
الوظيفة وسيلة لضبط مسائل العلم. مَجمعًا لكل ما يعرض لطالب العلم من فوائد وتنبيهات على مر سنين طلبه أن يرتاض الطالب بمسالك تحقيق مسائل العلم، وتحرير دلائله، من خلال نصوصه العالية، وتحريرات المحققين فيه.
المضمون محتويًا على خلاصات مركّزة لنتاج علماء الفن المعين، وأن يكون متأخرا نسبيًا. أن تكون مادته عالية محققة تمرن قارئها على تحقيق المسائل وتحرير الدلائل
الحجم غالبا ما يكون كتابًا مختصرًا أو متوسطًا لأن الغرض منه أن يحيط به الطالب إحاطة تامة متوسطًا أو مبسوطًا لأن الغرض منه أن يكون معمل تدريب وتمرين للطالب على التحقيق
التأثير لا يُشترط فيه التأثير، بل يشترط فيه أن يكون جامعًا للمسائل لا بد أن يكون مؤثرًا، وتأثيره بأن يكون مؤسسًا لعلم، أو أصلًا لاتجاه، أو محل درس العلماء وفحصهم، أو مدار كتب وشروح وُضعت عليه، واعتراضات وجهت إليه، ونحو ذلك.
التعدد يمكن لطالب العلم أن يتخذ له في كل علم أصلًا للضبط لأن أصل الضبط تتحقق وظيفته بتكرار قراءته وإدمان النظر والتأمل فيه أما أصل التحقيق فالعمر يقصر دون اتخاذه في كل علم وعامل الزمن هو المؤثر الأصيل فيه، فالسبيل أن يتخذ طالب العلم أصلًا للتحقيق في علم أو علمين، يكونان محل تخصصه وتركيزه.
  • ينبغي أن “يدرك طالب العلم أن طريقته في التحصيل تختلف باختلاف مقاصده، وذلك يستحثه على ضبط مقاصد تحصيله، والجد في اتخاذ الوسائل التي تعينه على تحقيقها، كما أنه بذلك يدرك أن مسالك الإفادة من الكتب تختلف باختلاف مضامينها والمقاصد المبتغاة منها، فليست الكتب مجرد خزانة تُستخلص منها النتائج فحسب؛ بل هي معامل تدريب وتمرين للطالب، يديم النظر فيها ويكثر مدرستها، فإن إدامة النظر لتفضي إلى الضبط، (وإن كثرة المدارسة لتُعدي على العلم). والقصد هنا أن يكون ذلك مستحضرا لدى الطالب، ماثلا بين عينيه، قائما به قلبه، (وإنما لكل امرئ ما نوى).” ص119

فرحة العلم

  • “سَعَة الاطلاع والاستكثار من المعلومات مطلب لبلوغ مدارج العلماء، لكن ذلك وحده لا يكفي طالب العلم للرسوخ في العلم والارتياض به، بل لا بد أن يتخلل أعطاف التحقيق بتأمله وتقليبه المعارف على صفائح عقله دون فتورٍ ولا مللٍ، فجوهر المجاهدة في طلب العلم ليس في أَطر النفس على قراءة أكبر قدر من الكتب، بل في أَطرها على التحنث في محراب المعاني الغائرة والإشكالات المراهقة، ولا قرار لعلم طالب لم يجعل من التأمل والاستنباط سُلما لتحصيل العلوم والمعارف، ف (الاستنباط هو الذي يفضي بصاحبه إلى برد اليقين وعزّ الثقة)” ص129
  • “التأمل مشروع فكرة، والاطلاع المجرد مشروع معلومة، وإنما يحصل التمايز بين الطلبة بقدر استحواذهم على الأفكار لا المعلومات، فلا شأن للمعلومات إلا بقدر ما يُمدها به العقل من إدراكه وتأمله، وقليل من العلم مع تأمل وتفهم خير من كثير لا يديره الطالب على فهمه وتأمله،” ص133
  • “لمثل هذا كان ابن دقيق العيد يقول: (ما خرجت من باب من أبواب الفقه واحتجت أن أعود إليه). وما ذلك إلا لأنه كان لا يغادر الباب حتى يرهقه تأملا، والتأمل خزانة العلم؛ لأنه يوطئ للعلم مكانا راسخا في عقل المحصل، وقلما ينسى المرء مسألة تأملها، وبقدر تأمله لها يزداد رسوخها وتشتد أواصرها.” ص134
  • “تأمل ساعة خير من قراءة ليلة، والقراءة بلا تفكير لا توصل إلى شيء من العلم كما يقرر ابن باديس، وأن تقرأ كتابا ثلاث مرات أنفع من قراءتك ثلاثة كتب - كما يقول العقاد. وللعلم دقائق وأسرار (طريق العلم بها الروية والفكر)، ومن ثم فإنه (ينبغي لطالب العلم أن يكون متأملا في جميع الأوقات في دقائق العلوم، ويعتاد ذلك، فإنما يدرك الدقائق بالتأمل)” ص143
  • “للعلم فرحة، لا تنال بحصد أكبر قدر من الفوائد والمُلح، ولا بالترنم - حين تسأل - ببضعة أبيات من هذه المنظومة أو تلك، وإنما تُنال حين يترنح عقلك من رهق التأمل في دهليز مسألة مظلمة الآخر، ويتهادى فكرك ذليلا خلف أذيال قضية مغلقة، حتى إذا ما أزفت ساعتك انسدل لك خيط الفتح، وانحلت عقد الإشكال… هنالك الفرحة.” ص145

إثارة العلم

  • “القدرة البحثية فرع عن القدرة المعرفية، فإذا اشتد عود هذه اشتد عود تلك، ومن عري عن حظ وافر من المحفوظ والمعلوم وقلّ نصيبه من الخبرة بالعلم ومعاناة مسائله أتى ذلك على بحثه بالنقص، وذلك (أن العقل وإن اشتد مغرزه، وثبتت أواخيه، وجاد نحته = فإنه لا يبلغ بنفسه درك الغاية دون كثرة السماع و التجربة).” ص151
  • “قال أبو الطيب اللغوي: (حريّ بمن عمي عن معرفة قوم أن يكون عن علومهم أعمى وأضل سبيلا).” ص175

حياة العلم

  • “قال وهب بن منبه: (مجلس يتنازع فيه العلم أحب إلي من قدره صلاة؛ لعل أحدهم يسمع الكلمة فينتفع بها سنة أو ما بقي من عمرهم)” ص184
  • “وإنما كانت المذاكرة خزانة لأن في المذاكرة ذكر المعلومة واستثارتها والإيراد عليها والمحاجة دونها. وفي تعدد طرق التفاعل مع المعلومة توطيد لأركانها، وفي المذاكرة بث للمعلومة واستقبال لها، وفي تنوع تحركات المعلومة ترسيخ لها.. وأما إذا حُرمت المعلومة نصيبها من المذاكرة فإن مآلها إلى الضياع. قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (40 هـ): (تزاوروا وتذاكروا هذا الحديث؛ فإنكم إن لم تفعلوا يدرس علمكم). وقال الزهري - رحمه الله -: (إنما يذهب العلم النسيان وترك المذاكرة)” ص188

تعليم العلم

  • “كثيرا ما يأتي ذكر التعليم وفضله حين الحديث عن زكاة العلم، وفضيلة الإرشاد، وضرورة بث العلم في الناس ليرتفعوا به عن حضيض الجهل… وهذا باب من الفضل جليل، لكن التعليم مع ذلك يعد (أحد طرق العلم للمعلم قبل المتعلم، إذا عرف كيف يصرف مواهبه، وكيف يستزيد وكيف يستفيد، وكيف ينفذ من قضية من العلم إلى قضية، وكيف يخرج من باب منه إلى باب).” ص199
  • “ما يجنيه المعلم من تعليمه مرهون بمستوى المتلقين، فبقدر حذق الطلبة، وسلامة تكوينهم، وتمكنهم من إثارة السؤالات وتجويدها = ينتفع المعلم بتعليمهم ومذاكرتهم وتلقي سؤالاتهم. قال السخاوي: (قال ثعلب: (إنما يتسع علم العالم بحسب حذق من يسأله، فيطالبه بحقائق الكلام وبمواضع النكت؛ لأنه إذا طالبه بحقائق الكلام احتاج إلى البحث والتنقير والنظر والفكر، فيتجدد حفظه، وتتسع معرفته، وتقوى قريحته)).” ص201
  • “قال الخليل - رحمه الله -: (إذا لم تعلم الناس ثوابا، فعلمهم لتدرس بتعليمهم علمك، ولا تجزع بتفريع السؤال، فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم). وهو القائل: (اجعل تعليمك دراسة لك)” ص202
  • “الطالب على ما راضه به معلمه، فعلى حسب ما يلقيه في ذهنه من بذور الصناعات والملكات المعرفية يكون حصاده، فإذا كان المعلم فقير العطاء كان طالبه أحرى بذلك، فلا يرجى من تعليمه الانتفاع، ولا الوقوف على مضايق المعضلات أو التحذق بحل المشكلات.” ص204
  • قال ابن القيم “(العالم كلما بذل علمه للناس وأنفق منه تفجرت ينابيعه، وازداد كثرة وقوة وظهورا، فيكتسب بتعليمه حفظ ما علمه، ويحصل له به علم ما لم يكن عنده، وربما تكون المسألة في نفسه غير مكشوفة ولا خارجة عن حيز الإشكال، فإذا تكلم بها وعلمها اتضحت له وأضاءت وانفتحت له منها علوم أُخر. وأيضا فإن الجزاء من جنس العمل، فكلما علم الخلق من جهالتهم جزاه الله بأن علمه من جهالته، كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار عن النبي - ﷺ - أنه قال في حديث طويل: «… وأن الله قال لي: أَنفق أُنفق عليك». وهذا يتناول نفقة العلم: إما بلفظه، وإما بتنبيهه وإشارته وفحواه)” ص205
  • “وجدت أن أفضل طريقة لفهم المشكلة المعقدة أن يضطر المرء لتدريسها، إذ إن الطلبة رقباء ممتازون على درجة فهم الأستاذ لما يقول، وهذا يجبر الأستاذ على فعل المستحيل حتى يصبح قادرا على مواجهة أي سؤال لتوضيح ما يقوم بشرحه - جلال أمين” ص206
  • “التحصيل بالتعليم ليس قاصرا على الأشياخ المنتهين؛ بل إن لطالب العلم نصيبه من ذلك ما دام التعليم ذريعة إلى التعلم والتحصيل، ولا حجر عليه في التصدر لذلك ما دام غرضه تحقيق قدر من الإفادة والاستفادة مع تأهله لما تصدر له، فليس الأمر إذًا حكرا على العلماء البالغين من العلم ذروته، بل هو مشاع لكل من له حظ من العلم، وقد قال الإمام مالك: (لا ينبغي لأحد عنده علم أن يترك التعليم).” ص207
  • “ولم يرد في نصوص الشرع حظر التصدر المبكر، بل إنما حظر الشارع التصدر الفاقد لشرط الأهلية، وعلى ذلك جرت البيئات العلمية في مختلف القرون، وما يذكر في دواوين الطلب وآداب العلم من آثار دالة على ذم التصدر فمعناها زيادة على ما تقدم استعمال التريث لا حسم المسارعة إلى الخيرات متى ما توفر شرطها” ص208
  • “حاصل الأمر أن التعليم من أشرف مقامات التحصيل والمذاكرة العلمية، ولو لم يكن منه إلا تثبيت علم المعلم لكفى، فكيف وهو وسيلة إلى كشف مشكلات العلم والإشراف على دقائقه، فعلى طالب العلم أن يأخذ بحظه من التعليم بما يليق بمثله حسب وزنه العلمي ومرتبته المعرفية، (ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا).” ص210

دمع العلم

  • “إذا فقِه طالب العلم حقيقة ما يطلبه، ولأي شيء أعلى الله تعالى مقامه أيقن أنه إلى علم قليل يستحث جوارحه للعمل وقلبه إلى القرب من الله تعالى أحوج منه إلى كثير يثقل جوارحه ويبعد قلبه. وقد قال الإمام مالك - رحمه الله -: (لا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل؛ لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام إلا فيما تحته عمل)” ص214
  • “إن كان لطالب العلم همّ فليجمعه أولا في هم صلاح القلب، وليبلغ تفكيره في ذلك مبلغ أنفاسه، فإنه معيار صحة طلبه واستقامة قصده… فيا ضيعة العمر إن كان العلم مجلبة لقسوة ينأى بها الطالب عن مدارج الخائفين!” ص219
  • “قال الشاطبي - رحمه الله -: (العلم الذي هو العلم المعتبر شرعا - أعني الذي مدح الله ورسوله - ﷺ - أهله على الإطلاق هو العلم الباعث على العمل، الذي لا يخلي صاحبه جاريا مع هواه كيفما كان؛ بل هو المقيد لصاحبه بمقتضاه، الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها).” ص221
  • “يستطيل الزمان على طالب العلم والقلب هو القلب، إن لم يتأخر عما كان عليه، ومتى كان القلب على هذه الحال من التقهقر الإيماني كان ذلك دليلا على دخَن في قصد الطالب، وانحراف في مسار نيته، (فإن من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد)” ص222

نَجاز الارتياض

  • “جاء في الصحيحين: من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا»… وطالب العلم إذا استحضر ذلك كان طلبه للعلم طلبا لبقاء هذا العلم وديمومته، طلبا لبقاء أنوار الرسالة الإلهية في الأرض، وفي ذلك استبقاء للدنيا واستحياء لأهلها، فإنه لا بقاء لها إلا ما دامت شمس الرسالة تضيء أطرافها، فـ (الدنيا كلها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة وأُسس بنيانه عليها، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرُسل موجودة فيهم، فإذا درست آثار الرُسل من الأرض وانمحت بالكلية خرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة).” ص225-226
  • “وبعد، فهذا هو سِفر الارتياض، ونجازه أن يعلم طالب العلم أن مبتدأ الأمر ومنتهاه: توفيق الله تعالى. فكل ما مضى ذكره من آلات العلم وصناعاته ورياضاته إنما هي محض أسباب، إذا جللها توفيق الله تعالى حيت، وإذا وُكل فيها الطالب إلى نفسه خَوَت… فلا الظروف المحيطة بالطالب من اختلائه بالعلم وانصراف الصوارف عنه وتهيؤ الأسباب المعينة له على التحصيل، ولا مقوماته الذاتية من ذكاء وحفظ وغيرها ليس شيء من ذلك بنافعه إذا تخلفت عنه الرعاية الإلهية والمعونة الربانية.” ص227

Last update : August 31, 2023
Created : August 23, 2022

Comments

Comments